الاثنين، 16 يوليو 2012

المسألة الغابوية في مدينة طنجة



المسألة الغابوية في المغرب تطرح العديد من علامات الاستفهام. فرغم أن المغرب عضو مساهم وفعال في العديد من المنظمات الدولية التي تعنى بالمجال الغابوي، وعلى الرغم من وجود ترسانة قانونية لحماية الغابات على المستوى التشريعي، فإن الغابات لاتصمد أمام عملية التوسع العمراني, خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأطماع التوسعية للمشاريع السياحية . المغرب هو واحد من البلدان النامية حيث مسألة حماية الغابات هشة إلى حد كبير. فبينما المجال الغابوي ينمو في البلدان المتقدمة بنسبة 0,1%، فإنه ينخفض بنسبة 0.5٪ سنويا في البلدان النامية. فالوضع إذن خطير للغاية. فللغابات دور حيوي في حماية البيئة، وفي الحفاظ على التوازن الإيكولوجي العام. فهي وبامتياز المستودع الرئيسي للتنوع البيولوجي.
فإذا كانت السلطات المغربية ترغب، على سبيل المثال، في حماية هذا التنوع، فإنه لا يكفي فقط أن تحظر صيد بعض الأنواع من الطيور (بصفة مؤقتة أو دائمة), بل ينبغي أيضا الحفاظ على الغابات التي من خلالها تتمكن هذه الحيوانات من أن تتغذي وتتكاثر. كما أن الغابات توفر للمدينة عنصرا أساسيا للحياة الحضرية, ألا وهو الخشب الذي أصبح, خلافا للمواد الاصطناعية, رقما مهما في التنمية الحضرية المستدامة. الغابات لها أيضا دور أساسي في الحماية من التصحر وفي تحسين نوعية المياه الجوفية. الغابات هي أيضا واحدة من أفضل أشكال الحماية ضد ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، لأنها تمتص الغازات المسببة لهذه الظاهرة. في الواقع، نجد أن تدمير الغابات هو السبب الرئيسي الثاني المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري بعد الاستهلاك العالمي للطاقة.


هذه الملاحظات هي فقط للتذكير, وبشكل موجز, بأهمية المجال الغابوي في الحفاظ على التوازن البيئي. هذه الملاحظات تأتي في سياق ما يحدث الآن في مدينة طنجة من تدمير منهجي لمجالها الغابوي منذ سنوات عديدة. فالأمر لم يبدأ اليوم مع غابة “السلوقية” التي يهدف اللوبي العقاري إلى تغيير طبيعتها من محمية طبيعية إلى منطقة قابلة للتعمير والبناء, ولكن الأمر يتعلق بتاريخ طويل بدأ منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. من يتذكر المجال الغابوي الذي كان موجودا في منطقة “بن ديبان” وفي “بلاسا طورو”؟ لقد أصبحت اليوم جزءا من التاريخ الأسود للمدينة. ومن المفارقات، أن هاتين الوحدتين المجاليتين تعانيان اليوم من كثافة سكانية عالية جدا، ومن نقص في المساحات الخضراء.  غابات “مسنانة” فقدت في السنوات الأخيرة أكثر من 80٪ من مساحتها بسبب التوسع العمراني الغير المنظم. أكثر من ذلك لقد اختفت الغابة التي كانت تقع في “ملاباطا” ولم يبقى منها اليوم سوى بضع شجيرات قليلة مبعثرة هنا وهناك. الغابة اختفت تماما لصالح المشاريع السياحية التي هي قيد الإنشاء (الفنادق والفيلات و…). لقد اندثرت لفائدة “التنمية” السياحية!
غابة “المريسة” التي تقع حوالي3 كمشمال غرب مدينة طنجة على الواجهة المتوسطية ستختفي تماما في السنوات القليلة المقبلة. ذلك أن المشاريع السياحية المخطط لها في هذا المجال ستدمرها تماما. لقد شرع في انجاز تلك المشاريع سنة 2008. والغريب أن نفس هذه الغابة شهدت حريقا “مفاجئا” في صيف 2006 أتلف ما يقارب هكتارين من مساحتها الإجمالية. والغريب أيضا أن هذه المشاريع تقام حاليا على نفس هذه المساحة المتضررة. قريبا من غابة “المريسة” توجد غابة “المنار” التي تواجه نفس المصير. هذه الغابة التي زرعت أشجارها في السنوات الأولى من الاستقلال, فقدت في السنوات الأخيرة أكثر من 50٪ من مساحتها الإجمالية. ففي يونيو من العام 2007 تسبب حريق في تدمير أكثر من3 هكتاراتمن غاباتها. ودائما على الواجهة التي تطل على البحر. هي الأخرى مهددة بالمشاريع السياحية.
على الواجهة الأطلسية، فإن التوقعات متشائمة أيضا. لقد تم تدمير مساحات كبيرة من غابات “الرميلات/برديكاريس”, والباقي مازال يقاوم بصعوبة خطر الانقراض. غابة “مديونة” هي الأخرى في طريقها نحو فقدان34 هكتارلفائدة مشاريع سكن “الترف” ذي الصبغة السياحية. الغابة الدبلوماسية، التي تغطي مساحة قدرها 1900 هكتار، هي الأخرى في تدهور مستمر منذ سنوات عديدة. فأزيد من230 هكتارمن هذه الغابة يتم تحويلها إلى مساكن وفنادق سياحية. ومن المقرر أن تحتضن نفس المنطقة مشاريع سياحية أخرى. لكن آثار هذه المشاريع  وخيمة على التوازن البيئي. في المقابل, نتائجها الإيجابية على اقتصاد المدينة تبقى غير مؤكدة ومحل خلاف كبير. نذكر أنه في يونيو من عام 2005, سنتين فقط قبل بروز تلك المشاريع دمر حريق ما يقارب 60 هكتارا من الغابة الديبلوماسية, مع العلم أن هذه الغابة هي الأغنى من ناحية التنوع: بلوط الفلين، الكافور، الأكاسيا والصنوبر.
مرة أخرى يتكرر نفس الوضع مع آخر متنفس كبير للمدينة, غير بعيد عن غابات “الرميلات”. يتعلق الأمر بغابة “السلوقية” التي تمتد على مساحة تقدر ب200 هكتاروبإطلالة خلابة على مضيق جبل طارق. هذا ما جعلها مطمعا دائما لل”منعشين” العقاريين. الاستهداف والاستنزاف لازال في مرحلته الإدارية. في الواقع، لا يمكن لأي مشروع سياحي كيفما كان حجمه ونوعه وآثاره الاقتصادية أن يبرر تدمير الغابات. إن إدارة القطاع البيئي تتطلب احتراما دقيقا لمجموعه من مبادئ القانون الدولي للبيئة, كمبدأ الوقاية الذي يقتضي دراسة الآثار السلبية للمشروع السياحي على البيئة والصحة العامة قبل البدء في تنفيذ المشروع, أو مبدأ التعويض الذي من تجلياته مثلا إلزام صاحب المشروع بإحداث غابة أخرى في منطقة قريبة ومشابهة من الناحية البيئية ومحترما أيضا نفس المساحة. يجب أن يعلم المسؤولون الذين ساهموا في إعدام المجال الغابوي بمدينة طنجة هو أنه عندما ندمر الأشجار فإننا نعمل أيضا على تدمير الوظيفة البيئة والاجتماعية والاقتصادية للغابات. الغابات هي شريان الحياة بالنسبة للمدينة المغربية. وأفضل حماية نقدمها للغابات هي إزالة أو تقنين على سبيل الحصر صلاحية “الرخص الإستثنائية” الممنوحة للولاة بما يخدم المصلحة العامة, وكذا إصدار نص قانوني ينص صراحة على أن المساحات المخصصة للغابات لا يمكن المساس بها بأي حال من الأحوال في تصاميم التهيئة للمدن. من الحلول الناجعة كذلك نقل ملكية الغابات المحيطة بالمدن المغربية إلى مصلحة المياه والغابات. “ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة” (حديث نبوي شريف). فماذا سيكون حال من يقتلع شجرة؟